الإنترنت يفقد الإنسان العاطفة والحب!
كتاب جديد صدر منذ أيام قليلة في المانيا يقع في 383 صفحة إسمه 'من أنا عندما أكون على الإنترنت' وعنوان الكتاب يدل على المحتوى، فالجلوس لساعات طويلة أمام شاشة الكومبيوتر والبحث في الإنترنت يحدث تغيرات في الشخصية الإنسانية أهمها فقدان الإحساس والمشاعر ـ هكذا يأخذنا عبر فصول الكتاب المختلفة المؤلف والباحث الألماني في الشؤون العلمية 'نيكلاوس كار' ليعرفنا على أهم المخاطر التي قد يسببها الإنترنت للإنسان.
فقدان الإحساس
يبدأ الكتاب بذكر إحصائية عن عدد الألمان الذين يبحثون في الإنترنت ـ ويقول المؤلف إن الغالبية العظمى من الألمان يقضون قرابة الساعتين ونصف الساعة أمام الإنترنت يوميا، غير أن ساعة واحدة بانتظام كافية لإحداث تغيرات في الدماغ البشري وفق أبحاث العلماء التي عرضها الكتاب بالتفصيل حيث تؤكد تلك الابحاث على حدوث تغيرات سلبية منها على سبيل المثال فقدان المشاعر والأحاسيس لدى الإنسان.
من هذا المنطلق بدأ المؤلف بحثه عبر صفحات الكتاب في قضية محددة هي لماذا يخسر الإنسان نفسه أمام الإنترنت؟ وكيف يتم ذلك؟ والإجابة ببساطة كما يذكرها المؤلف تكمن في رغبة الإنسان الجامحة الى المعرفة والى البحث بعمق وتقصي الحقائق من اجل الحصول على المعلومات الجديدة، وأمام سهولة استخدام الانترنت وهذا الكم الوفير من المعلومات التي يوفرها، إضافة الى الإنغماس في الخدمات العديدة التي لا يجد المستخدم مفرا من استخدامها مثل الإيميل وخدمات الفيس بوك وتويتر فإن كل ذلك يلعب دورا في تشتيت الذهن وعدم التركيز، ويقول المؤلف في هذا الصدد ان نتائج المعرفة لدى المستخدم تصبح مجزأة وغير كاملة بل ومزعجة في بعض الأحيان.
تعطيل الفكر والمعرفة
يذكر المؤلف ان السبيل الوحيد بالنسبة لنا لفهم القضايا المعقدة والشائكة في المعلومات هي تشكيل وترتيب الأفكار بشكل صحيح، لتبقى بعد ذلك نبراسا راسخا للذاكرة الممتدة، ولكن عندما نبقى لوقت قصير نبحث في الإنترنت في ذلك الكم الكبير والمتدفق من المعرفة ـ يجعل ذلك الشخص مشتت التفكير قليل التركيز، ويقول علماء النفس إن هذا الكم الكبير من المعرفة الزائدة لذاكرة محددة من أجل استخدامها فيما بعد على مدى أطول تجعل من مسألة المعرفة ومن ثم التذّكر مسألة سطحية ليس فيها أي عمق.
من جهة أخرى يدحض المؤلف 'نيكلاوس كار' فوائد الإنترنت بالمطلق، ويرى أن الإعتماد عليه يجعل انتاجيتنا الفكرية محددة وجزئية فقط ، فمن المعروف أن الإنترنت يسمح لنا بجمع المزيد من المعلومات في وقت قصير جدا ـ وعندئذ فإن من يرغب في مزيد من المعرفة يعني ذلك ببساطة أنه يلزمه المزيد من البحث لوقت طويل ليستدل على معاني الأشياء العميقة .. وفي هذا الإطار يشير الكاتب الى الدراسة الجديدة التي ظهرت في شيكاغو وتقول ان كثير من الأكاديميين والباحثين في الجامعات المختلفة الذين يعتمدون بشكل اساسي على الإنترنت في الحصول على مصادرهم، هم اقل كفاءة من الذين يسعون للحصول على مصادرهم من أشياء أخرى مثل المكتبات، ففي الحالة الاولى تكون المعلومة مجزأة وغير كاملة وتفسير ذلك وفق المؤلف أن محرك البحث جوجل على سبيل المثال يدخل عمله في النطاق الشعبي غير التخصصي، مما يعني انه يحمل مجموعة صغيرة من المعرفة والمعلومات مقارنة بتلك الوسائل الكلاسيكية في البحث التي تحمل معلومات أكثر قيمة وذات مغزى ودلالة، ووفق رؤية الكاتب فإن محركات البحث على الانترنت بشكل عام تقيد حركة البحث عن التفاصيل ذلك انها لا تصل بنا الى ما نطمح اليه في الحصول على تنوع في المحتوى الكيفي للمعلومات.
فقدان العواطف من خلال تعدد المهام
في موضع آخر من الكتاب يتحدث 'نيكولاس كار' عن مفارقة أخرى ينفرد بها الانترنت وهي كفاية المهام التي يمكن ان يؤديها الى الفرد للقيام بها في وقت واحد ويقول ان الباحثين في جامعة 'ستانفورد' قاموا بعمل بحث قسّموا فيه فريق المتطوعين الى قسمين لإجراء الإختبارات عليهم الفريق الأول يقوم بمهام متعددة على الإنترنت في وقت واحد والفريق الثاني يقوم بإنجاز مهامه واحدة تلو الأخرى.. وخلصت نتائج البحث الى ان المجموعة التي تعمل في مهام متعددة في وقت واحد ليس لديها القدرة على التمييز بين الشيء المهم والشيء غير المهم، اضافة الى تشتت الذاكرة وفقدان التركيز، أما المجموعة الأخرى فكان تركيزها اقوى ونتائجها أفضل بكثير.
يرى المؤلف أيضا ان الإنترنت يمكن أن يؤثر في الشخصية وفي قدرة الشخص على تطوير مشاعره ويستدل على ذلك بأنه وبعد عشرين سنة على انشاء شبكة الويب العالمية فإن الباحثين في الدماغ البشري يرون أن العواطف تتولد في العقل البشري بشكل بطيء نسبيا، أما الإنشغال في الإنترنت باستمرار وفقدان التركيز أمام كم المعرفة الزائدة فيمكن ان يتسبب في فقدان الفرد لمشاعره وإصابته بالخواء العاطفي.
يعترف 'نيكولاس كار' في كتابه أنه لا يمكن العودة الى الوراء بعد دخول الانترنت حياة الناس وتوغله فيها، ولكنه يدعو الى تعامل أفضل مع الإنترنت وتقليص عدد الساعات التي يقضيها الشخص أمام الشبكة العنكبوتية. ويقول إن الإنترنت يمكن أن يصبح فعالا عندما يتم تداوله في سياق أوسع وأشمل في مختلف النواحي الثقافية والتاريخية والإجتماعية للأفراد والمجتمعات ويجب ان ندرك ان قيمتنا سوف تزداد بزيادة قيمة عقولنا، واننا يمكن ان نتسبب في فقدان انفسنا عندما نقضي الكثير من الوقت أمام الانترنت، من المعروف أن إغراءات الانترنت في تزايد مستمر ففي العشر سنوات الأخيرة حدثت طفرة كبيرة، وقد حان الوقت الآن لإعادة النظر في عدد الساعات التي نقضيها امام الإنترنت قبل حلول الخطر الذي يمكن ان يصيب عقولنا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]